أثارت منطقة رأس الحكمة الرأي العام في الأيام الماضية، كما تسببت في انخفاض سعر الدولار في السوق السوداء، بعد الحديث عن تدفق أموال إماراتية للاستثمار في هذه المنطقة، و تداولت بعض المواقع قيمة الاستثمار الذي يبلغ نحو ٢٢ مليار دولار تقريباً.
ماهي رأس الحكمة
إنها قرية تابعة لمدينة مرسي مطروح، و تغطي مساحة ١٨٠ كيلوا متراً مربعاً تقريباً، فهي عبارة عن رأس بحري، يقع داخل البحر المتوسط، بطول ٥٠ كيلومتراً مربعاً، يمتد من مدينة الضّبعة التي تقام بها “المحطة النووية” شرقاً، ومدينة مرسي مطروح غرباً، كذلك تعد من الشواهد التاريخية لبوابة مصر الغربية على الساحل الشمالي الغربي للبحر المتوسط، على بعد نحو ٣٥٠ كيلو متراً شمال غرب القاهرة.
تتميز بموقعها الجغرافي الاستراتيجي و السياحي، حيث تقع غرب مدينة و ميناء العلمين الجوي، و ميناء الحمراء للبترول، و بالقرب من مطاري مرسي مطروح و برج العرب الدوليين، على طريق بري يربط القاهرة بمدن الساحل الشمالي، بالإضافة إلى تميّزها بطبيعتها الجذابة، والتي تتمثل في مياه البحر الصافية، و الشواطئ الرمليّة النّاعمة والمتوسطة التعرّج، وسحبها الصغيرة المتفرّقة في الصّيف، والتي تزداد في الشتاء لتتركز في الشريط الضيّق الموازي للبحر المتوسط، وتقل كلما اتجهت جنوباً، حتى تنعدم تماماً، بالإضافة إلى مناخها اللطيف الهادئ المعتدل، حيث تبلغ درجات الحرارة أعلى من معدلاتها في الصيف، لتصل إلى ٢٤.٦ درجة و بالشتاء ١٨.٨ درجة، فهي تحقق درجة الحرارة المثلى لراحة الأنسان و نشاطه، والتي تتراوح بين ١٨ و ٢٥ درجة مئوية.
تاريخ رأس الحكمة
يعود تاريخ رأس الحكمة الى العصرين اليوناني والروماني في مصر، وثمة اختلافات كبيرة بين المؤرخين في الأصل التاريخي لتسمية المنطقة باسم ” رأس الحكمة “، فبحسب تقارير منطقة آثار مطروح الرسمية، فإن المنطقة كانت تعرف باسم “ٱبار الكنايس”، وهو مصطلح يطلق على قمم الجبال والتلال التي يسقط عليها المطر الغزير، فيكنسها قبل أن تحتويها آبار التخزين. كما تم فيها العثور على مجموعة من النصوص الفلسفية و الروحية في عام ١٩٤٥م، في جرة سيراميكية قديمة من قبل مزارع محلي، فأطلق عليها اسم “رأس الحكمة البيضاء”، حيث تعود هذه النصوص للعصور الوسطى، ويعتقد أنها تعود للقرن الثاني الميلادي، وتحمل تأثيرات من الفلسفة اليونانية والمصرية القديمة، والمسيحية و الجنوب الآسيوي. كما تم أيضاً اكتشاف مجموعة من النصوص المكتوبة باللغة القبطيّة و هي لغة كانت تستخدم في مصر خلال العصور الوسطى، و التي تعود الى الفترة المسيحية المبكرة.
تتناول نصوص رأس الحكمة المصرية مواضيع متنوعة، تشمل الفلسفة، والروحانية، واللاهوت، و التحرر الروحي. تعتبر هذه النصوص مهمة جداً لفهم العقائد والتصوف المسيحي، في العصور الوسطى، وتوفر رؤية قيمة عن التفكير الروحي والفلسفي في تلك الفترة. وأشهر هذه النصوص هي “همسات رأس الحكمة” والتي تتكون من مجموعة من الأقوال القصيرة والألغاز الفلسفية، كذلك تتميز هذه الهمسات بأسلوبها الشاعري و المجازي، كما تعزز التأمل و البحث الداخلي.
رغم أهمية كشوفات هذه النصوص في رأس الحكمة المصرية، إلا أن المعلومات المتاحة عن تاريخها ومؤلفيها ومصدرها محدودة، مع ذلك تعتبر مجموعة قيمة من النصوص الفلسفية والروحية التي تثير الاهتمام والدراسة، في العديد من الأوساط الأكاديمية والروحية والدينية.
كما كانت رأس الكنائس في زمن حكم أسرة محمد علي، ميناءً لرسوّ المراكب الكبيرة. وفي عام ١٩٤١ أصدر الملك فاروق قراراً بتغيير اسم المنطقة الى “رأس الحكمة”، بالاضافة الى وجود قصر ملكي فيها، تم وضع حجر أساسه من قبل الملك فؤاد الأول، في زيارته الأولى لمطروح ١٩٢٨، ثم تحولت فيما بعد إلى منتجع للأسرة المالكة، والوزراء، ثم تحولت فيما بعد إلى استراحة رئاسية، بعد ثورة يوليو/ تموز ١٩٥٢ التي أطاحت بالنظام الملكي، وأعلنت الجمهورية، حيث زارها السادات في ١٩٧٠ والتقى بمشايخ قبائل مطروح في جلسة عرفية، وحسم خلافه معهم على التمثيل النيابي بالدور، وظل صدى هذه الجلسة يتردد بين القبائل مع كل استحقاق انتخابي، حتى الانتخابات البرلمانية لعام ٢٠٢٠.
كما كان يزورها الرئيس السابق محمد حسني مبارك، كل عام في فصل الصيف، و لم ينقطع عن عادته هذه طول فترة حكمه.
صفقة رأس الحكمة
إن تنمية رأس الحكمة جزء من مخطط الدولة المصرية ٢٠٥٢ لتنمية الساحل الشمالي، والتي تهدف لجعل المدينة على خريطة السياحة العالمية، خلال ٥ سنوات كأحد أرقى المقاصد السياحية على البحر المتوسط والعالم.
في ٢٣ شباط من عام ٢٠٢٤ أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي تفاصيل المشروع الاستثماري المباشر، الأكبر على الإطلاق مع الصندوق السيادي بأبو ظبي، الشركة القابضة “ايه دي كيو” وهو مشروع عقاري سياحي يحمل اسم “رأس الحكمة الجديدة” بمساحة ١٧٠.٨ مليون متر مربع.
كما صرح رئيس الوزراء المصري بأن مصر ستأخذ ٣٥ مليار دولار ثمن هذه الصفقة، خمسة منها كانوا ديون مستحقة للإمارات من مصر، وباقي المبلغ والذي يقدر نحو ٢٤ مليار دولار سيولة مباشرة ستدخل مصر خلال شهرين و ١١ مليار دولار ودائع اماراتية.
كما أن حجم الاستثمار في هذا المشروع سيصل إلى ١٥٠ مليار دولار و حصة مصر من أرباح المشروع ستكون ٣٥٪ .
إن هذه الصفقة ساعدت في ارتفاع سهم “اعمار مصر” ٨.٣٧٪ إلى ٥.٣١٪ بعد أن قفز ١٩.٨٪ إضافة إلى أن سهم الشركة الإماراتية ارتفع بنسبة ٣٨٪ بعد حالة الجدل التي أحدثها رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
هل مشروع رأس الحكمة سيحل مشاكل مصر الاقتصادية ؟
اتت صفقة المشروع في وقت مناسب جداً، حيث انها ستساهم في تخفيض فجوة الدولار بين السوق السوداء و البنك الدولي، مما يقلل المضاربات، كما انها تزامنت مع توقيت قرض صندوق النقد الدولي، وهذا يساهم أيضا في تحريك سعر الجنيه امام الدولار، حيث ان سعر الجنيه الموجود حالياً والذي سيكون عليه لن يكون كبيراً و بهذا لن تكون مصر معتمدة على وديعة القرض البسيطة وعلى عائدات طروحات الشركات التي تم عنها والتي تقدر ب ٦ مليار دولار تقريباً.
حيث ان أساس المشكلة هي الأقساط والديون المترتبة على مصر خلال ٢٠٢٤ والتي تقدر بحوالي ٤٢ مليار دولار، أما عن إجمالي الدين الخارجي فيقدر بحوالي ١٦٥مليار دولار، كما قدرت نسبة العجز في الميزان التجاري لعام ٢٠٢٣ بحوالي ٣٦ مليار دولار.
تسد مصر ديونها من خلال موارد الدولة من الدولار، ومن الاستثمارات الأجنبية، والعاملين بالخارج، بالاضافة الى عوائد قناة السويس والسياحة. أي أن سبب المشكلة هو عجز الميزان التجاري و حجم الالتزامات المترتبة على مصر، فبالتالي الاستثمار بالمشروع هذا حل مؤقت و بتوقيت جيد و مناسب جداً، ويكتمل الحل لو تم توجيه الاستثمارات للقطاع الصناعي والزراعي وإلا سنرجع الى نفس المشكلة.
ما فائدة مشروع رأس الحكمة بالنسبة للمواطن المصري؟
صرح رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن هذا المشروع سيجلب الكثير من الفوائد للمواطن المصري، والتي تتمثل في
- . كل الاستثمارات التي ستضخ ستتحول للجنيه المصري، بالتالي ستحسن سعر صرف الجنيه أمام الدولار.
- تأمين فرص عمل كثيرة تشمل الشباب المصري، وشركات المقاولات، والتطوير العقاري، والخدمات وجميع الشركات اللوجستية الموجودة في مصر، بالإضافة إلى المصانع المصرية، التي ستكون مكلفة بتوفير المواد الخام ومدخلات الإنتاج، والتشييد والبناء في هذا المشروع، وأيضاً تشغيله بعد ما يبدأ بالتنمية .
- إتاحة الملايين من فرص العمل التي ستكون متوفرة، أثناء انشاء المدينة وبعد إنشاءها وتشغيلها للشباب المصري و كل الفئات.
- أيضاً شركات المقاولات، والقطاع الاقتصادي المصري، سيكون مستفيد بصورة كبيرة من هذا المشروع العملاق الذي سيحمل كل الخير لمصر.
- زيادة حجم التدفق السياحي على هذه البقعة بحجم ٨ مليون سائح سنوياً، إذا لم يكن أكثر من ذلك.
كما أكدت الدولة المصرية التزامها اتجاه أهالي مطروح الموجودين، على هذه الأرض المخصصة للمشروع، بتعويضهم تعويض كامل نقداً وعيناً،
كما ستقوم بتأمين تجمعات للأهالي على الطريق الساحلي، لنقلهم إليها ليكونوا قريبين من المشروع لأنهم المستفيدين بشكل مباشر من عملية التنمية التي ستستمر للأبد.
وأخيراً أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي على انفتاح مصر على جميع الاستثمارات الأجنبية، ليس فقط مشروع رأس الحكمة، لما لها من فوائد للاقتصاد المصري. .